يوشك العام ٢٠٢٠ أن ينتصف، هذا العام الصاخب الذي حمل أكبر وأهم أزمة واجهت الإنسان على هذا الكوكب، فيروس كورونا المستجد، ومع تسارع الأحداث وتواتر الأنباء والأرقام عن الإصابات الجديدة وحالات التعافي والوفيات، يشهد العالم تدفقا في كل لحظة في تلك الأخبار إلا أن الأنباء المتعلقة بإيجاد لقاحات مضادة للفيروس أو اكتشاف أدوية موجهة خصيصا للقضاء عليه لا زالت هي الأنباء الأقل تدفقا والأكثر تضاربا وإحباطا كذلك.
لكن ماذا لو لم يحدث شيء من ذلك؟ ماذا لو تعذر وجود لقاح أو دواء فاعل واستمر هذا الإيقاع اليومي كما هو في كل أنحاء العالم، هل سيستمر هذا الإغلاق الشامل، وكم من الوقت الذي يمكن فيه لاقتصاديات الدول وللاقتصاد العالمي كله أن يصمد هكذا واقفا يتلقى يوميا الضربات الموجعة في كل قطاعاته وأنشطته؟
ثمة أفق مسدود، وأسوأ الأزمات هي تلك التي يصبح الانتظار المفتوح هو الوسيلة المثلى للتعامل معها، إنها نموذج غريب للحياة المؤجلة التي تنتظر دون أن تكون لديها القدرة على التأثير في مستقبل ذلك الانتظار إلا بمزيد من الانتظار.
الخطوات التي اتخذتها مختلف الدول تفاوتت بتفاوت التركيبة السياسية والاقتصادية فيها، لكن العامل الأكثر تأثيرا في تلك الخطوات هوالذي ارتبط بالتركيبة القيمية، فبينما انهارت الأنظمة الصحية في بعض الدول، قدمت بعض الدول نماذج جديدة ونوعية في التعامل الإنساني المدني المتحضر مع الجائحة، ووجهت كل مقدراتها لحفظ الصحة ومواجهة انتشار الفيروس، وقدمت حزما ضخمة من المساعدات المالية والاقتصادية، وبكل اعتزاز تعد التجربة السعودية اليوم التجربة الأكثر تميزا وتحضرا مع الوباء.
لكن ذلك كله ليس سوى مرحلة يسيرة من مراحل المواجهة التي نتشارك فيها مع العالم باختلاف وتنوع الظروف من بلد إلى آخر، لكن السؤال المصيري هنا: إذا كانت الأزمة واحدة ومشتركة ومتزامنة في كل العالم، فهل من الضروري أن يكون الحل واحدا ومشتركا ومتزامنا في كل العالم؟
بالطبع لا، أولا على مستوى فتح الاقتصادات، فبالنظر لاختلاف وتنوع الإجراءات وسياسات المواجهة بين مختلف البلدان فإن مستويات التعافي وما سيتبعها من إجراءات اقتصادية ستختلف من بلد إلى بلد، وهذا ما هو مشاهد اليوم في أكثر من تجربة، وحتى بعد توفر الأدوية واللقاحات، فإن توافرها سيكون متفاوتا بين بلد وآخر وذلك لعدة عوامل.
لكن العنصر الأبرز الذي يجب التركيز عليه وبخاصة في البلدان ذات الاقتصادات القوية وذات البنى الاجتماعية المتمدن، والذي سيكون عاملا حاسما في المواجهة، هو المسؤولية الذاتية للأفراد ؛ مسؤولية الوعي والالتزام واتباع التعليمات بتحضر وفهم، في كل بلدان العالم ثمة أنظمة للمرور والسير وقيادة السيارات، وثمة أجهزة وإدارات وظيفتها ضبط كل ذلك، لكنها لا يمكن لها أن تتمكن أبدا من وقف الحوادث أو الوفيات الناجمة عنها، وينطبق ذلك على مختلف المخاطر التي تحيط يوميا بحياة الأفراد والتي رغم برامج وأنظمة التصدي لها إلا أن المسؤولية الأخيرة في النجاة منها تقع على عاتق الفرد.
هذا محور مهم وحيوي جدا في مواجهة الوباء، وعلى الأنظمة أن تجعله عنصرا أساسيا في نجاح أو إخفاق تصديها للفيروس وتجاوزها لهذه المرحلة المؤلمة.
لن يبقى العالم مغلقا، وستنتصر الإنسانية في مواجهة الوباء وإن بشكل متفاوت، ولكن العالم لن يبقى واقفا منتظرا بين موتين، ولكن العامل الأبرز الذي سيتوجب على الأنظمة أن تعيد النظر في دوره المحوري في المواجهة هو الفرد، بمزيد من التوعية وبمزيد من العقوبات، إنما وكما سبق فهمها كانت أنظمة المرور متطورة والشوارع واسعة إلا أنها لا يمكن أن تمنع المتهورين من الحوادث القاتلة والمميتة.
* كاتب سعودي
yahyaalameer@
لكن ماذا لو لم يحدث شيء من ذلك؟ ماذا لو تعذر وجود لقاح أو دواء فاعل واستمر هذا الإيقاع اليومي كما هو في كل أنحاء العالم، هل سيستمر هذا الإغلاق الشامل، وكم من الوقت الذي يمكن فيه لاقتصاديات الدول وللاقتصاد العالمي كله أن يصمد هكذا واقفا يتلقى يوميا الضربات الموجعة في كل قطاعاته وأنشطته؟
ثمة أفق مسدود، وأسوأ الأزمات هي تلك التي يصبح الانتظار المفتوح هو الوسيلة المثلى للتعامل معها، إنها نموذج غريب للحياة المؤجلة التي تنتظر دون أن تكون لديها القدرة على التأثير في مستقبل ذلك الانتظار إلا بمزيد من الانتظار.
الخطوات التي اتخذتها مختلف الدول تفاوتت بتفاوت التركيبة السياسية والاقتصادية فيها، لكن العامل الأكثر تأثيرا في تلك الخطوات هوالذي ارتبط بالتركيبة القيمية، فبينما انهارت الأنظمة الصحية في بعض الدول، قدمت بعض الدول نماذج جديدة ونوعية في التعامل الإنساني المدني المتحضر مع الجائحة، ووجهت كل مقدراتها لحفظ الصحة ومواجهة انتشار الفيروس، وقدمت حزما ضخمة من المساعدات المالية والاقتصادية، وبكل اعتزاز تعد التجربة السعودية اليوم التجربة الأكثر تميزا وتحضرا مع الوباء.
لكن ذلك كله ليس سوى مرحلة يسيرة من مراحل المواجهة التي نتشارك فيها مع العالم باختلاف وتنوع الظروف من بلد إلى آخر، لكن السؤال المصيري هنا: إذا كانت الأزمة واحدة ومشتركة ومتزامنة في كل العالم، فهل من الضروري أن يكون الحل واحدا ومشتركا ومتزامنا في كل العالم؟
بالطبع لا، أولا على مستوى فتح الاقتصادات، فبالنظر لاختلاف وتنوع الإجراءات وسياسات المواجهة بين مختلف البلدان فإن مستويات التعافي وما سيتبعها من إجراءات اقتصادية ستختلف من بلد إلى بلد، وهذا ما هو مشاهد اليوم في أكثر من تجربة، وحتى بعد توفر الأدوية واللقاحات، فإن توافرها سيكون متفاوتا بين بلد وآخر وذلك لعدة عوامل.
لكن العنصر الأبرز الذي يجب التركيز عليه وبخاصة في البلدان ذات الاقتصادات القوية وذات البنى الاجتماعية المتمدن، والذي سيكون عاملا حاسما في المواجهة، هو المسؤولية الذاتية للأفراد ؛ مسؤولية الوعي والالتزام واتباع التعليمات بتحضر وفهم، في كل بلدان العالم ثمة أنظمة للمرور والسير وقيادة السيارات، وثمة أجهزة وإدارات وظيفتها ضبط كل ذلك، لكنها لا يمكن لها أن تتمكن أبدا من وقف الحوادث أو الوفيات الناجمة عنها، وينطبق ذلك على مختلف المخاطر التي تحيط يوميا بحياة الأفراد والتي رغم برامج وأنظمة التصدي لها إلا أن المسؤولية الأخيرة في النجاة منها تقع على عاتق الفرد.
هذا محور مهم وحيوي جدا في مواجهة الوباء، وعلى الأنظمة أن تجعله عنصرا أساسيا في نجاح أو إخفاق تصديها للفيروس وتجاوزها لهذه المرحلة المؤلمة.
لن يبقى العالم مغلقا، وستنتصر الإنسانية في مواجهة الوباء وإن بشكل متفاوت، ولكن العالم لن يبقى واقفا منتظرا بين موتين، ولكن العامل الأبرز الذي سيتوجب على الأنظمة أن تعيد النظر في دوره المحوري في المواجهة هو الفرد، بمزيد من التوعية وبمزيد من العقوبات، إنما وكما سبق فهمها كانت أنظمة المرور متطورة والشوارع واسعة إلا أنها لا يمكن أن تمنع المتهورين من الحوادث القاتلة والمميتة.
* كاتب سعودي
yahyaalameer@